post-image

كان الطموح إلى الاستقلال الاقتصادي عن الشركات البريطانية في عدن يتنامى بالتزامن مع انتهاء الاتحاد السوفيتي من إنشاء ميناء الحديدة بما في ذلك أول خزانات النفط في الميناء ذات السعة المحدودة آنذاك في العام 1958م، لتبدأ بعد ذلك وتحديدا في العام 1961م أولى خطوات تكوين اطار مؤسسي معني بعملية تخزين وتسويق المشتقات النفطية من خلال التعاون اليمني السوفيتي بهدف توفير المحروقات للسوق المحلية في اليمن الشمالي تحت مسمى شركة المحروقات اليمانية (كان الشطر الجنوبي حينها يرزح تحت نير الاحتلال البريطاني).
وبحسب المراجع التاريخية كانت الدراسة الأولية تهدف لانشاء شركة تضامنية خماسية تحت اشراف عبدالرحمن ابوطالب وحسن ابراهيم.
ثم قام الإمام أحمد حميد الدين بتشكيل فريق برئاسة عبدالرحمن الشامي وعضوية كلا من حسن مكي وعبدالغني علي وبدأ الفريق بالعمل على تغيير الدراسة وإعداد النظام الأساسي لمشروع انشاء الشركة على أساس تحويله إلى شركة مساهمة بشكل كامل دون أن تكون للدولة حصة تزيد عن 50% وهي المرة الأولى التي يتم فيها انشاء شركة مساهمة بهذا الشكل في اليمن.
وقد بدأت اجراءات التنفيذ من خلال نشر اعلان في تعز عن انشاء الشركة وشروط التأسيس وذلك لضبط قواعد المساهمة وتحديد المساهمين وتحديد مدة الاكتتاب.
وبعد ذلك وفي الموعد المحدد انعقد الاجتماع الأول للجمعية العمومية على سطح أحد المباني بمدينة الحديدة وهو ماكان يسمى بمبنى الحكومة -والذي أصبح لاحقا مكتب التربية والتعليم بمحافظة الحديدة ثم صار مبنى المتحف الوطني- ونتج عن الاجتماع تشكيل مجلس تأسيسي يتكون من سبعة أعضاء وكذا مجلس إداري يتكون من 11 عضوا كما تم إقرار منح حق التصويت للمساهمين الذين يمتلكون  50 سهما مع منحهم صوتا اضافيا عن كل ألف سهم يمتلكونه فاذا كان المساهم على سبيل المثال يمتلك ثلاثة الآف سهم فهذا يعني ان له الحق ب3 أصوات انتخابية وعقب ذلك أجريت الانتخابات لاختيار أعضاء المجلس التأسيسي والإداري وكانت أبرز نتائج الاقتراع انتخاب كلا من:
حسن علوي العطاس رئيسا لمجلس الادارة
 عبدالقوي حاميم نائبا لرئيس مجلس الادارة
يحيى الروبي مراقبا للحسابات
مع احتدام المنافسة فيما يتعلق بالحصول على وكالات التوزيع  بين علي محمد سعيد أنعم وتجار آخرين من المساهمين الأساسيين كالحاج محمد حمود اليماني والحاج عبدالله السنيدار وأيضا من كبار الملاك أمثال الشيخ محمد سلطان والشيخ علي الأصبحي وهم من رؤساء الجاليات اليمنية في المملكة العربية السعودية وكذلك من الأسرة الحاكمة -قبل ثورة1962م- وغيرهم.
عقب البدء بالعمل شنت حملة تحريضية على البنزين السوفيتي من قبل بعض العناصر المرتبطة بشركة "شل" البريطانية كما قامت تلك العناصر برشوة بعض السائقين للقيام بخلط البنزين السوفيتي بالماء سعيا للتشكيك بجودته ولكن مساعيهم انكشفت وباءت بالفشل.
وعموما فقد كانت مشكلة البنزين السوفيتي تتمثل في انخفاض نسبة الأوكتان وحينها تم ارسال وفد من الشركة الى روسيا وتحت إلحاح الإمام وبالتنسيق مع الملحق التجاري السوفيتي وذلك لطلب تحسين نسبة الأوكتان وزيادته من 80% إلى 85% ثم الى 90%.
ويذكر ان نجاح مشروع شركة المحروقات اليمانية دافعا قويا للتفكير في انشاء الشركات المساهمة وشكل فاتحة خير للبدء بتأسيس شركة الكهرباء وشركة الباصات وغيرها.
وكانت شركة المحروقات اليمانية من أهم الدعائم التي أعتمد عليها صمود ثورة1962م حيث وفرت للجمهورية الفتية العديد من مقومات الصمود والاستمرار والنجاح كما انها كانت من العوامل الرئيسة التي أسهمت في اجبار شركة "شل"البريطانية بالوفاء بالتزاماتها كاملة على أسس تجارية بحتة لاتتأثر بالموقف البريطاني المعادي للجمهورية آنذاك.
وفي تلك الفترة بلغ اجمالي كمية الوقود المستورد عام 1961م 29.500 طن وهي زيادة بنسبة 100% عن العام 1957م وزيادة بنسبة 500% عن اجمالي واردات الوقود عام 1929م .
وبشكل عام تأسست شركة المحروقات اليمانية بموجب المرسوم الصادر بتاريخ 10أغسطس1961م وقد أعطى المرسوم للشركة حق احتكار استيراد وتوزيع النفط ومشتقاته في اليمن وحدد المرسوم رأسمال الشركة بخمسمائة ألف ريال ماريا تريزا حيث كان عدد أسهم الاكتتاب 100 ألف سهم وقيمة السهم الواحد تعادل خمسة ريال ماريا تريزا واستمرت عملية بيع الأسهم مدة ستة أشهر ويبدو انه تم زيادة عدد الأسهم المعروضة للبيع نظرا للاقبال الكبير على الشراء ونتج عن ذلك وصول رأس مال الشركة إلى مليون وخمسمائة ألف ريال (ماريا تريزا) كما حدد المرسوم مدة عمل الشركة بثلاثين سنة قابلة للتمديد ، وأوردت بعض المصادر ان الشركة كانت تستورد البنزين والديزل من الاتحاد السوفيتي فيما كان الكيروسين يستورد من عدن عبر القطاع الخاص ( هايل سعيد أنعم) ، وبعد مرور سنة على ثورة 62م ونظرا للدخل المالي المتوفر للشركة لكونها تستورد المشتقات بما يغطي احتياجات الجمهورية الناشئة واحتياجات للقوات المصرية المتواجدة في اليمن تم دمج رأس مال الشركة ضمن رأس مال البنك اليمني للانشاء والتعمير وبالتالي أصبحت جزءا من رأس مال البنك وكان عدد من التجار المساهمين في شركة المحروقات متخوفين من هذا الاجراء ورفعوا شكوى لرئيس الجمهورية وكان حينها المشير عبدالله السلال الذي أحالها لوزير العدل  القاضي عبدالرحمن الإرياني الذي ما كان منه إلا ان رتب إجتماعا يجمع أولئك التجار برئيس مجلس ادارة البنك وكان حينها د.حسن مكي وذلك لاقناعهم وطمأنتهم بأنهم أصبحوا مساهمين في رأسمال البنك اليمني للانشاء والتعمير وان أموالهم محفوظة وأرباحهم مضمونة.
والجدير بالذكر أن عدد محطات الخدمة الأهلية التي توفر مادة البنزين في عموم الجمهورية العربية اليمنية في العام 1966م كان لايتجاوز 25 محطة تحتوي على 51 خزانا بسعة إجمالية 500 طن لاغير.
ولتوضيح مستويات الاستهلاك خلال تلك العقود الماضية من القرن العشرين يمكن مقارنة الكميات المنصرفة من منشآت الحديدة لمادة البنزين منذ فترة منتصف الستينيات الى آواخر التسعينيات من القرن الماضي (إجمالي الاستهلاك) وكما يلي:
1) 1966م =17,172,000لترا

2) 1974م=54,792,650لتر (نسبة الزيادة عن عام66م 219%).

3)1986م=532,018,317لتر (138,101,817لتر وتمثل كميات منصرفة من منشآت الحديدة + 267,232,500لتر وتمثل اجمالي الكميات المهربة من السعودية)
(نسبة الزيادة عن العام74م حوالي 870%)

4)1992م =854,027,231لتر (منها 181,332,000لتر انتاج مصفاة مأرب) ونسبة الزيادة تصل الى 60% عن العام 86م.

5)1999م =894,775,817 لتر (منها 181,332,000لتر انتاج مصفاة مأرب) ونسبة الزيادة تتجاوز 4%.

مع الاشارة الى توقف التهريب من السعودية في العام 87م بعد تشغيل مصفاة مأرب (مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لم يتم ادراج الكميات الواصلة برا لعدد من الفروع من منشآت البريقة).
اما بالنسبة لمادة السولار كانت كمية الاستهلاك عام 66م أكثر من 16مليون لتر وتجاوزت الكمية عام 74م 94مليون لتر بزيادة نسبتها 480% عن العام66م ثم وصلت كمية الاستهلاك عام 86م الى مايقارب657 مليون لتر بزيادة نسبتها 596% فيما بلغت كمية الاستهلاك عام 92م حوالي 754مليون لتر ، ثم ارتفعت كمية الاستهلاك في العام 1999م الى مايزيد عن مليار لتر .
في 18يناير من العام 1965م صدر القرار الجمهوري رقم (2) والذي قضى بالموافقة على الاتفاق المبرم بين الجمهورية العربية اليمنية والجمهورية العربية المتحدة والذي نص على تأسيس شركة المحروقات اليمنية (شركة مساهمة) يكون فيها للجانب اليمني نسبة 51% من رأس المال وللجانب المصري 49%.
كما تم في العام 1974م صدر قرار جمهوري قضى بتحويل شركة المحروقات اليمنية إلى مؤسسة عامة للنفط والثروات المعدنية والتي تحولت تسميتها فيما بعد بقرار جمهوري الى شركة النفط اليمنية.